بقلم: يطو لمغاري
رحلة : لون السماء أزرق على ثلاث درجات : أزرق سماوي، أزرق فاتح، وأزرق داكن، يفصل بينها لون الضباب الأبيض الحليبي واللون الرمادي في الأعلى. ونحن على متن الطائرة الرحلة رقم 631 تطلق جناحيها للريح . أنظر إلى الأسفل : المنازل السطوح، الطريق المعبدة السيارات، الغابات الأشجار، الحجارة الأتربة، كل شيء قزمي الشكل . السفر بالطائرة ممتع سهل، سريع مفرح مبهج، أنيق راق. لكنه مخيف. ومن سماء مدينة الصويرة، نحو أجواء مدينة أكادير، عاصمة السوس تظهر غابات الأركان . أشجارها تبتسم للسماء، هادئة صغيرة، خضراء مخضرة، قزمية أرضية مفعمة بالحرية. وحيدة ساكنة متباعدة، محترمة وقورة، صامدة صامتة، منطلقة ثابتة. جميلة جميلة أرض بلادي . رائعة رائعة سماء بلادي.
رحلة : سهل سوس رائع أخضر يوحي بالخيرات. لكن أديم الأرض فيه موزع إلى ثلاث قطع : مغروسات خضراء مزهرة ، وقطع بيضاء حليبية اللون أو رمادية ، إنها النباتات المغطاة أو مزروعات البيوت البلاستيكية . وقطع بنية متربة ترتدي رداء أمنا الأرض، تلك هي قطع الأرض النائمة: راقدة مرتاحة مستسلمة، تنتظر يد الفلاح: تقلب تتفقد، تزرع تبذر، تعالج تنقي تداوي، تحث تحنو، تدبر ترتب تنظم، تسقي تروي، تعيد الحياة ليستمر الوجود البشري، بين أحضان الأرض كروية الحضن، خضراء معطاء، سليمة سلمية، أمينة آمنة .
رحلة: السفر بالطائرة مخيف أيضا : عندما تطير فوق البحر،المحيط سواء في ضواحي مدينة الرباط، أو في سواحل أكادير، سانتاكروز المدينة القديمة قدم الوجود الأمازيغي ، بمنطقة سوس، منذ حوالي 800 قبل الميلاد. والطائرة تطلق جناحيها للريح في الأعالي، أتصورني أسقط في فم قرش ضخم جائع يتلقفني، لقمة سائغة أو فريسة سهلة . وفي أحسن الظروف أراني أغوص في أعماق المحيط، أقبع قرب سفينة تستوطن الأعماق منذ آلاف السنين مليئة بالذهب والتذكارات . في حال سقطت الطائرة في البحر . خاصة وأنني لا أتقن السباحة . لكن نفسي تطمئن لأنني أسافر رفقة زوجي، سندي في الحياة ورفيق دربي، مذ كان اللقاء الأول . والذي كان صاحب فكرة الطيران ، أقصد السفر بالطائرة في رحلة صيفية داخلية . يسألني زوجي : في أي سماء نطير ؟؟ فأجيب على الفور: أظن أننا نطير في سابع سماوات . فالطائرة في الفضاء الخارجي البعيد عن الأرض بسبع طبقات ، حيث لا يعترض طريقها أي نوع من الطيور .
رحلة : طويت أرض بلادي نحو الشمال والغرب. وقفت عند حدود الخريطة، وصلت إلى عروس الشمال طنجة ، عاصمة البوغاز. لكن عيني لم تر مثل أرض السوس ، وجنتها رودانة التي سكن حبها قلبي وفكري ونفسي ووجداني ، هي توأم روحي تحضن سكني، تمدني بإكسير الحياة. عائدة وفي قلبي حنين ، أعرف أنه لرودانة ، لدفء رودانة ، لسكون رودانة، لبساطة رودانة، لتراثها وجمالها، وتراب أرضها الأصيل القديم، قدم الإنسان على وجه البسيطة. رودانة هبة وادي السوس، صنيعة ذكاء الإنسان الأمازيغي. سيدة الأرض، جوهرة العالم.
رحلة : الثانية عشرة زوالا من يوم الخميس 1 شتنبر 2022 حطت الطائرة على أرض المطار ، مطار المسيرة أكادير ، إذ لم تدم الرحلة إلا 55 دقيقة في الأجواء العليا . سلام سلام على القادمين، على العائدين، على النازلين، على المسافرين، على الفرحين ، المحظوظين المغامرين. سلام على النساء ، على لأطفال ، على الشباب، سلام على الإنسان المغربي. سلام على طاقم الطائرة : الربان الأجنبي والشباب المغربي المرافق له . سلام على مضيفات الطيران : الجمال الأناقة الإيتيكيت، المسؤولية الإتقان في العمل، لتحقيق راحة الزبناء . الابتسامة الدائمة تمنحك الأمل الإنصات الجميل، التواصل البناء. يذكرني السفر على متن الطائرة بأغنية فيروز :
طيري ياطيارة طيري ياورق وخيطان ،
بدي إرجع بنت صغيرة على سطح الجيران،
وينساني الزمان على سطح الجيران .
تارودانت 1 شتنبر 2022.